فصل: ولاية زياد على فارس.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.ولاية زياد على فارس.

ولما قتل ابن الحضرمي بالبصرة والناس مختلفون على علي طمع أهل النواحي من بلاد العجم في كسر الخراج وأخرج أهل فارس عاملهم سهل بن حنيف فاستشار علي الناس فأشار عليه جارية بن قدامة بزياد فأمر ابن عباس أن يوليه عليها فبعثه إليها في جيش كثيف فطوى بهم أهل فارس وضرب ببعضهم بعضا وهرب قوم وأقام آخرون وصفت له فارس بغير حرب ثم تقدم إلى كرمان فدوخها مثل ذلك فاستقامت وسكن الناس ونزل اصطخر وسكن قلعة بها تسمى قلعة زياد.

.فراق ابن عباس لعلي رضي الله عنهم.

وفي سنة أربعين فارق عبد الله بن عباس عليا ولحق بمكة وذلك أنه مر يوما بأبي الأسود ووبخه على أمر فكتب أبو الأسود إلى علي بأن ابن عباس استتر بأموال الله فأجابه علي يشكره على ذلك وكتب لابن عباس ولم يخبره بالكاتب فكتب إليه بكذب ما بلغه من ذلك وأنه ضابط للمال حافظ له فكتب إليه علي أعلمني ما أخذت ومن أين أخذت وفيما صنعت؟ فكتب إليه ابن عباس فهمت استعظامك لما رفع إليك أني رزأته من هذا المال فابعث إلى عملك من أحببت فإني ظاعن عنه واستدعى أخواله من بني هلال فجاءته قيس كلها ولم يبعث الأموال وقال: هذه أرزاقنا وأتبعه أهل البصرة ووقفت دونه قيس فرجع صبرة بن شيمان الهمداني بالأزد وقال قيس: إخواننا وهم خير من المال فأطيعوني وانصرف معهم بكر وعبد القيس ثم انصرف الأحنف بقومه من بني تميم وحجز بقية تميم عنه ولحق ابن عباس بمكة.

.مقتل علي.

قتل علي رضي الله عنه سنة أربعين عشرة من رمضان وقيل لإحدى عشرة وقيل في ربيع الآخر والأول أصح وكان سبب قتله أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي والبرك بن عبد الله التميمي الصريمي واسمه الحجاج وعمرو بن بكر التميمي السعدي ثلاثتهم من الخوارج لحقوا من فلهم بالحجاز واجتمعوا فتذكروا ما فيه الناس وعابوا الولاة وترحموا على قتلى النهروان وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدهم فلو شرينا أنفسنا وقتلنا أئمة الضلال وأرحنا منهم الناس فقال ابن ملجم وكان من مصر: أنا أكفيكم عليا وقال البرك: أنا أكفيكم معاوية وقال عمرو بن بكر التميمي: أنا أكفيكم عمرو بن العاص وتعاهدوا أن لا نرجع أحد عن صاحبه حتى يقتله أو يموت واتعدوا لسبع عشرة من رمضان وانطلقوا ولقي ابن ملجم أصحابه بالكوفة فطوى خبره عنهم ثم جاء إلى شبيب بن شجرة من أشجع ودعاه إلى الموافقة في شأنه فقال شبيب ثكلتك أمك فكيف تقدر على قتله قال: أكمن له في المسجد في صلاة الغداة فإن قتلناه وإلا فهي الشهادة قال: ويحك لا أجدني أنشرح لقتله مع سابقته وفضله قال: ألم يقتل العباد الصالحين أهل النهروان؟ قال: بلى قال: فنقتله بمن قتله منهم فأجابه: ثم لقي أمرأة من تيم الرباب فائقة الجمال قتل أبوها وأخوها يوم النهروان فأخذت قلبه فخطبها فشرطت عليه عبدا وقينة وقتل علي فقال كيف يمكن ما أنت تريدين؟ قال التمس غرته فإن قتلته شفيت النفوس وإلا فهي الشهادة قال: والله ما جئت إلا لذلك ولك ما سألت قالت: سأبعث معك من يشد ظهرك ويساعدك وبعثت معه رجلا من قومها اسمه وردان.
فلما كانت الليلة التي واعد ابن ملجم أصحابه على قتل علي وكانت ليلة الجمعة جاء إلى المسجد ومعه شبيب ووردان وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي للصلاة فلما خرج ونادى للصلاة علاه شبيب بالسيف فوقع بعضادة الباب وضربه ابن ملجم على مقدم رأسه وقال: الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك وهرب وردان إلى منزله وأخبر بعض أصحابه بالأمر فقتله هرب شبيب مغلسا وصاح الناس به فلحقه رجل من حضرموت فأخذه وجلس عليه والسيف في يد شبيب والناس قد أقبلوا في طلبه وخشي الحضرمي على نفسه لاختلاط الغلس فتركه وذهب في غمار الناس وشد الناس على ابن ملجم واستخلف علي على الصلاة جعدة بن هبيرة وهو ابن أخته أم هانيء فصلى الغداة بالناس وأدخل ابن ملجم مكتوفا على علي فقال: أي عدو الله ما حملك على هذا؟ قال: شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه فقال: أراك مقتولا به ثم قال إن هلكت فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي يابني عبد المطلب لا تحرضوا على دماء المسلمين وتقولوا قتل أمير المؤمنين لا تقتلوا إلا قاتلي يا حسن إن أنا مت من ضربتي هذه فاضربه بسيفه ولا تمثلن بالرجل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إياكم والمثلة» وقالت أم كلثوم لابن ملجم وهو مكتوف وهي تبكي: أي عدو الله إنه لا بأس على أبي والله مخزيك قال: فعلام تبكين؟ والله لقد شريته بألف وصقلته أربعين ولو كانت هذه الضربة بأهل بلد ما بقي منهم أحد وقال جندب بن عبد الله لعلي أنبايع الحسن إن فقدناك؟ قال: ما آمركم به ولا أنهاكم أنتم أبصر ثم دعا الحسن والحسين ووصاهما قال: أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وأن بغتكما ولا نأسفا على شيء زوى منهما عنكما وقولا الحق وارحما اليتيم وأعينا الضائع وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا وعملا بما في كتاب الله ولا تأخذكما في الله لومة لائم ثم قال لمحمد بن الحنفية: إني أوصيك بمثل ذلك وبتوقير أخويك لعظيم حقهما عليك ولا تقطع أمرا دونهما ثم وصاهما بابن الحنفية ثم أعاد على الحسن وصيته ولما حضرته الوفاة كتب وصيته العامة ولم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض.
فأحضر الحسن ابن ملجم فقال له: هل لك في البقاء علي وأني قد عاهدت الله أن أقتل عليا ومعاوية وأني عاهدت الله على الوفاء بالعهد فخل بيني وبين ذلك فإن قتلته وبقيت فلك عهد الله أن آتيك فقال: لا والله حتى تعاين النار ثم قدمه فقتله وأما البرك فإنه قعد لمعاوية تلك الليلة فلما خرج للصلاة ضربه بالسيف في إليته وأخذ فقال: عندي بشرى أتنفعني إن أخبرتك بها قال: نعم قال: إن أخا لي قتل عليا هذه الليلة قال: فلعله لم يقدر عليه قال: بلى إن عليا ليس معه حرس فأمر به معاوية فقتل وأحضر الطبيب فقال: ليس إلا الكي أو شربة تقطع منك الولد فقال: في يزيد وعبد الله ما تقر به عيني والنار لا صبر لي عليها وقد قيل إنه أمر بقطع البرك فقطع وأقام إلى أيام زياد فقتله بالبصرة وعند ذلك اتخذ معاوية المقصورة وحرس الليل وقيام الشرط على رأسه إذا سجد ويقال إن أول من اتخذ المقصورة مروان بن الحكم سنة أربع وأربعين حين طعنه اليماني.
وأما عمرو بن بكر فإنه جلس لعمرو بن العاص تلك الليلة فلم يخرج وكان اشتكى فأمر صاحب شرطته خارجة بن أبي حبيبة بن عامر بن لؤي يصلي بالناس فشد عليه فضربه فقتله وهو يرى أنه عمرو بن العاص فلما أخذوه وأدخلوه على عمرو قال فمن قتلت إذا؟ قالوا خارجة فقال: لعمرو بن العاص والله ما ظننته غيرك! فقال عمرو: وأردت عمرا وأراد الله خارجة وأمر بقتله.
وتوفي علي رضي الله عنه وعلى البصرة عبد الله بن عباس وعلى قضائها أبو الأسود الدؤلي وعلى فارس زياد بن سمية وعلى اليمن عبيد الله بن العباس حتى وقع أمر بسر بن أبي أرطأة وعلى مكة والطائف قثم بن عباس وعلى المدينة أبو أيوب الأنصاري وقيل سهل بن حنيف.